التطعيم اللغوي والراحة الفكرية
يحمل الفكر السرياني تقليداً من الحكمة المبنية على عمق اللاهوت والمفاهيم. في هذا التقليد، اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أيضًا مصدر تتنفس من خلاله الروح، ويتشكل الفكر، ويخلق الإنسان نفسه.
يعد تحول اللغة والفكر أمرا حيويا لاستمرارية الثقافة. إن عبارة "التطعيم اللغوي والراحة الفكري" تحمل في نظري معنى قوياً يفسر التراث الأدبي والفلسفي السرياني بمنهج معاصر. هذا التعبير الذي طورته كشعار اجتماعي يقدم منظوراً يلخص أنشطتي الأدبية التي تساهم في الإدراك الاجتماعي وتعكس جوهر الأدب السرياني وعالم الفكر. لأن غرس اللغة لا يعني نقل الكلمات فقط، بل المساهمة في تكوين أفراد قادرين على التفكير والشعور والإنتاج بهذه الكلمات.
إن الغرس اللغوي يعني تأصيل الفكر وإثراء الكلمات. يأتي مفهوم التطعيم من عملية بيولوجية؛ ويعني أن الكائن الحي يجد حياة جديدة من خلال ارتباطه بكائن حي آخر. إن غرس اللغة لا يعني نقل الكلمات فحسب، بل يعني أيضًا إضافة طبقات جديدة من المعنى إليها ونقلها إلى المستقبل. وبالنسبة للغة قديمة مثل السريانية، فإن هذا يعني الحفاظ على تراث الماضي وجعله في متناول الناس اليوم.
نظر علماء السريان إلى الكلمة ليس باعتبارها مجرد سلسلة من الأصوات، بل باعتبارها انعكاسًا لارتباط الإنسان بالله. اللغة المطعمة لا تحمل إرث الماضي فحسب، بل تتوجه أيضًا إلى العصر الجديد من خلال الخضوع لتحول فكري وثقافي. اللغة ليست مجرد وسيلة تعبير بالنسبة للبشر؛ وهو أيضًا حجر الأساس للهوية والوجود والذاكرة الجماعية. ولذلك فإن الحفاظ على اللغة وبقائها كأصل ثقافي بالنسبة للعلماء السريان لا يقل أهمية عن إعادة ظهور الحكمة التي تحتويها في مناخات فكرية مختلفة عبر العصور.
التنفس الفكري هو عملية هضم المعلومات، واستيعاب الكلمات، وتعميق المعنى دون استهلاكها بشكل سطحي. إن أخذ نفس عميق يعني عدم الضياع في سرعة العالم الحديث، وعدم تجاوز المفاهيم بشكل سطحي، واستخدام الكلمات عن طريق استيعابها.
يتألف البناء الأدبي للغة السريانية من الاستعارات والرموز وطبقات عميقة من المعنى. يجب فهم الكلمة ليس فقط من خلال معناها السطحي، بل أيضًا من خلال سياقها الداخلي والروحي. اللغة ليست مجرد أداة منطوقة؛ يتم عجنها مع الروح، واستيعابها، وإحداث التحول عندما يتم نقلها. ولذلك، يُعتقد في الأدب السرياني أن الكلمات لها وظيفة حاملة. إن الكلمات المنطوقة والمكتوبة تشكل عالم فكر الإنسان، كما أنها تغذي روحه أيضًا.
في المنطق الأدبي للسريانية، يعمل التداخل اللغوي والتنفس الفكري معًا. عندما يتم وضع الكلمات في الكتابة والشعر، فإنها تمر بعملية التسريب؛ تظهر إلى الحياة في سياق جديد، مع قارئ جديد. ولكن لكي تكون هذه العملية ذات معنى، هناك حاجة إلى التنفس الفكري، أي اختراق روح الكلمة.
اللغة هي أحد العناصر الأساسية لوجودنا. إن الحفاظ على التراث وتغذيته وحمله إلى المستقبل ليس مسؤولية ثقافية فحسب، بل هو رحلة فكرية أيضًا. ويعد التطعيم اللغوي والراحة الفكرية من أهم محطات هذه الرحلة.
ملفونو يوسف بختاش
رئيس جمعية الثقافة واللغة السريانية وادبها / ماردين
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment