"لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ." (مت 6: 24)
عند القول: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ"، فأن النص يؤكد على محبة الحقيقة، وعلى معاني الحقيقة.
وكما هو الحال مع كل شيء، هناك أنواع مختلفة من العبودية. ويشبه هذا الاختلاف التنوع في أشكال المحبة.
ان أي محبة لا يوجد في روحها محبةْ الرب ومعرفته سوف لن تؤدي إلى النجاح. بل ستوصل إلى طريق مسدود عبر ممرات الحياة الضيقة. فإنها خدَّاعَة.
هنا، الشيء الأساسي هو محبة الحقيقة المطلقة. فلا ينبغي أن يكون في ذات الإنسان أيُّ محبة للقوة الفاعلة أعلى أو أكثر من المحبة السامية للحقيقة، التي تخلق الحياة وتوجهها. وتحتوي هذه الكلمة السامية على الإدراك الواسع، وهذه رسالة قوية جداً وعميقة لمعنى الحياة.
هذه الكلمة تقود الشخص إلى المعضلة، بمعنى، إلى مركز التناقض داخل نفسه. فهي تتحدث عن الأنا والصراع الروحي داخلنا. وتُفَسِّر المعركة بين جانبي الظلام والنور في داخلنا بوصفنا بشراً.
من ناحية، فأن هذه الكلمة تكشف عن المحبة التي تجبرنا على العيش وفق القيم الأخلاقية والإنسانية الراسخة، وتبادل الأخذ والعطاء للمحبة والاحترام، ومشاركة الشعور بالمسؤولية والانتماء؛ ومن ناحية أخرى، فإنها تكشف عن قوة النوع الآخر من المحبة الذي يُقَوّضنا (يَحسِرنا)، ويمنعنا عن فعل الخير، ويتسلط علينا، ويوجهنا إلى الميول الشريرة التي تخرب أعمالنا.
بينما تنبه الكلمة لهذا التحذير، إلا إنها بنفس الوقت توجهنا إلى المحبة الحقيقية التي هي الحياة بحد ذاتها وجوهرها. كما أنها نداء لهدف في الحياة مع الوعي بوسائل تحقيقه. هذا النداء هو دعوة لإستخراج أنفسنا من العالم الذي نعيش فيه مأسورين والمتجذرة في عبودية الخوف للأنا والغرور الداخلي؛ وهو النداء الذي يضعنا وجهاً لوجه أمام "المحبة النقية". إنها دعوة تخبرنا أننا نستطيع إيجاد القوة والمحبة والسعادة، ليس خارج أنفسها، إنما في دواخلنا. وللتوضيح نأخذ مثال الكرمة والغصن، فالكلمة تشير إلى محبة الغصن في الإتحاد بالكرمة كوسيلة مصحوبة بهدف إيجاد الحياة الحقيقية.
في الواقع أكَّدَّ على هذه الحقيقة الأساسية مؤلف القرن الثالث عشر العلَّامة السرياني ابن العبري بقوله: "دعونا ننأى قسراً عن ذاتنا. دعونا نركز داخليا لكي نكتشف الجنة المخبأة فينا. وبعبارة أخرى، دعونا نرى إلهنا هناك ".
العالم الداخلي هو عمل الروح، فالجميع مسؤول، كل شخص عن تنميتهِ لروحه. فالعالم الداخلي يُعَّد الحيّز لرحلة التعرف على ذاتك، وعلى الموقع الذي تكون فيه مسؤولاً عن نفسك وعن الآخرين. ولا تتم مثل هذه الرحلة عند خدمة سيدين؛ وإن كانت كذلك، تكون النهاية خيبة الأمل والخسارة.
ملفونو يوسف بِكتاش
ترجمة ود الرفاعي
مراحعة وتعديل د. إشراق نبعة
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment