يسوع المسيح لم يقُلْ أيَّ شيء خالٍ من البُعد الروحي، وقد طوّرت تعاليمُه مفاهيمَ لاختبار الروحانية في الحياة الفانية. أحدُ هذه المفاهيم قوله "أَنَا قَدْ غَلَبْتُ العَالَمَ" (يوحنّا ١٦: ٣٣)
إنّ "العالَم" مكوّنٌ من مليارات النفوس (الأنا). كلّ شخص بمثابة عَالَم صغير ويُمكننا حقًّا أن نتّخذَ "العالَم" ليُصبحَ هو الذات الطبيعية، أي النفس.
لا يُمكن لنُضج الإنسان- كمال الروح- أن يتمّ إن لم يكن هناك لا ذات ولا نفس.
من الضروري التغلّب على الرغبات الأنانية لأجل كمال الروح وإدراك الحقيقة. وبتدريب الذات الطبيعية، تدخُل الروح في المسار وينمو الإدراك. تُعتبر الحياة رحلة، فهي طريق طويل. وإن وُجد شيء واحد في هذه الرحلة، فهو عدم الكمال والحاجة، اللذان يتحوّلان بسرعة إلى ظمأ.
وعليه، وبغية إرواء عطشنا نبدأ بالسير. وهذا هو سبب رغبتِنا في التعلّم والذي يجعلُنا نركض. وهو السبب في تقدّمنا أيضا. وهو السبب الذي يجعلنا نواجه التناقضات. فلهذا السبب نكافح بشدّة؛ ولهذا السبب نُصلِّي.
نحن نفعَل كلَّ شيء لإرواء هذا العطش وإيجاد الرضا، ونبذُل أنفسَنا للوصول إلى المصدر الذي نبحث عنه. هذا المصدر هو الربّ، وابن الله هو تجسيد لمحبّة الآب. إنّها المحبة الأبدية، أي المصدر الذي نسعى إليه، وهو يسوع المسيح.
لهذا السبب، عندما ننخرِط في عجلة الحياة اليومية، وأثناء كفاحنا تُجاهَ إحباطاتنا، فمِنَ الأفضل عدم تجاهل الأشياء التي يتعيّن علينا القيامُ بها للوصول إلى المصدر.
إنّ مهمّتَنا ألا ننسى أثناءَ عمليّة تأدية مسؤولياتنا بأنّنا بشرٌ، غير كاملين ومحتاجون. ومن واجبنا إكمالُ الجوانب غير المكتملة فينا لزيادة الشعور بالعالَم الداخلي المنبثق عن ثراء القلب، وأن نتذكّر دومًا ونُذكِّرَ بعضنا البعض بأنّنا أعضاء مختلفة في الجسم ذاته.
إن عِشنا وَفْقًا لمنهاج إكمال غير الكامل فينا، فسيُصبح بديهيًا أن يكون أعظمُ كَنز لدينا هو المحبّة التي تتضاعف وتنمو كلّما زادت مشاركتها. لهذا السبب تُعتبر الحياةَ فرحة. والفرح يعني التَذكُّر. فالحياة هي مشاركة. الحياة هي خدمة. الحياة هي لمس القلوب (أي التواصل مع الآخرين من القلب للقلب). الحياة هي الولاء؛ الحياة هي الضمير. إن الضميرَ يؤمّن مقدرتَنا على التواصل الخاصّ والعامّ وعلى مستوى الأبعاد العالمية للحياة.
وانطلاقًا من أنّ لكلّ شخص على وجه التحديد عملًا ومهمّة فريدة من نوعها طوالَ حياته، فالمطلوب منه أن يُلبّي واجبًا مادّيًا ملموسًا من الواجب تحقيقه. في نطاق هذا الإطار، لا يمكن استبدال شخص بشخص آخرَ، ولا يُمكن تكرار الحياة. ومن هذا المنظور، فإنّ واجبَ الجميع بمثابة أمر منفرد لا نظيرَ له، مثل الفرص المتاحة لكلّ شخص.
هذا التفرّد يتطلّب منّا أن نُحبَّ، نعيش ونمنحَ الحياة للآخرين، وأن نتعلّم، ونُطوِّر أنفسَنا والآخرين، وأن نتصرّف بمسؤولية، وأن نترك وراءنا بعد الرحيل كرامةً إنسانية وتراثًا للبشرية.
عندما نكتشف بعضًا من مواهبنا وفرصنا، ونتعرَّف عليها ونستخدمها في إطار هذه المهمّة المتفردة، فإنّنا بذلك نُثري حياةَ المجتمع، لأن هذه المواهب والفرصَ قد أُعطيت لأجل الصالح العامّ أي للمجتمع وللجميع، ويحافظ ذلك على التوازن ضمن حياة المجتمع. إنّها تمنحُ الحياةَ للكنيسة. ويصاغ هذا التوازن من خلال التصرّف غير الأناني، المتفهّم والمرن الذي يُلبّي متطلباتِ المحبة.
لذا أقول، دَعُوا مجالاتِ الحياة غير الكاملة والتي لا معنى لها، وكونوا مُفعمَين بالمحبة. دعوها تمتلئ لينمو الوعي الاجتماعيُ والنضج. دعوها تنمو لإعادة تنشيط وُجهات النظر المحِبّة للحياة. دعوها تنشط لكي نتّجه نحوَ سلوك أكثرَ مسؤولية. دعوا الأصالة والحرية تتعزّزان.
عندما تمتلئ الحياة بالإنسانية والواقعية، وتكون المسؤولية مليئةً بالولاء والسرور، وتكون القلوب مفعمةً بالمحبّة، عندها سيظهر معنى الأشياء إلى العلن.
لأنّ الروحانية والإنسانيةَ لا يُمكن إيجادهُما لا في البرد ولا في الظلام، بل بالأحرى في وضوح الطريق الذي يسير فيه المرء، وفي الحركة المتدفّقة على الطريق، وفي رحابة الطريق واستقامته.
نرجو أن تُرافق طريقَنا أيامٌ يتضاعفُ فيها وعيُنا الروحي وعلاقاتُنا الوُجدانية.
ملفونو يوسف بِكتاش
الترجمة من الإنچليزية: د. إشراق نعمة.
دقيق لغوي: أ. د. حسيب شحادت.
You can also send us an email to karyohliso@gmail.com
Leave a Comment