Article - Karyo Hliso
Yusuf Begtas:


كان اسمها طور عابدين

ملفونو يوسف بِكتاش

 

كان اسمها طور عابدين

كان يوم الاثنين؛ اليوم التالي لأول أمطار الخريف المتساقطة بشكل جميل. انه لشعورٌ حيوي استقبال يوم ذو صباحٍ مغسول ومشرقة عليه الشمس الساطعة. يا له من صباحٍ صافٍ ونقي ومنعش للغاية. الشمس والطبيعة الأم تنشران فيه ابتساماتهما على المحيط في حب وانسجام يُحسَد عليهما.

جمال هذه الرؤية ونقاوتها ونضارتها حركت بي مشاعرٌ من الإثارة والفرح يستحال وصفها. على الرغم من كل ذلك، لم أستطع حتى الآن أن أحرر نفسي من المشاعر والتوقعات الخائبة حول الحياة. الاشواق والتطلعات اقلقتني. كنت أقول لنفسي: كم أتمنى أن تكون حياتي واضحة للغاية وجميلة ومتجددة.

فجأة وكسرب من الطيور الحائمة جالت بي أفكاري إلى يوم آخر كان مرتبطاً بأشجار الحور في الماضي؛ عند غروب الشمس سكينة عظيمة تعم الارجاء المحيطة. هذا الهدوء لم يكن عادياً. بقيت أفكر بسبب هذا الهدوء شارداً بنفسي لنصف الليل، وعندما شعرت بالإرهاق سرعان ما دخلت في نوم عميق. لابد أنه كان بسبب يوم متعب قضيته في العمل الروتيني. نمت بعمق لدرجة أنه باليوم التالي لم يعد يوجد أي أثر للإرهاق.

في ظلام تلك الليلة الهادئة الدامس والمريب،   انتابني شعور رهيب. فلقد حلمت بالتقائي وجهاً لوجه بشخصية معروفة لدي ومحببة والتي كانت صديقة مألوفة.

سألتها: لماذا تغضبين فجأة؟ ما هذه المعاناة التي تعتريك والتي تجعلك جامحة ومتهورة؟ منذ متى رأيتك آخر مرة؟ ما الذي يضعفك خلال هذا العناء؟ تبدين لي وكأنك غريبة! أنت توشكين على جعلي أمرض بمثل هذه الحالة.

أجابتني:

أنت من يجب أن يعرف سبب ذلك. الجواب يكمن فيك وفي أولئك الذين فقدوا أنفسهم لنزوات أخرى. أنت من أوصلتني إلى هذه الحالة. على الرغم من تحذيراتي العديدة، لم أتمكن أبدًا من إيصال هذه المشكلة إليك. أنت لا تريد أن تفهمني. لا تنظر إلى شعري الشائب. قد أكون كبرت بالسن ولكن روحي مازالت يافعة. لقد تعبت من محاولة إيصال مشكلتي إليك. لقد انتهيت. إنه لشعور رهيب أن يتم التخلي عن أحدهم وتركه بمفرده. لقد دمر ذلك احترامي لذاتي. لا يمكنني فعل الكثير حيال ذلك. لست سعيدة حيال وضعي. لا أعرف ما إذا كان بإمكاني استعادة عافيتي مرة أخرى كما كان الحال في الأيام الماضية. إذا لم يتحسن الوضع على الإطلاق، فإنني أفضل اختيار الموت. ولكن ما سيحدث سيحدث عاجلاً أم آجلاً .

أخبرتها|

بالطبع، الوضع مأساوي ولكننا متيقنين إنه لشيء رهيب أن نعيش بدونك. ماذا لو قمنا بشيء لمساعدتك على استعادة عافيتك كالسابق؟ أليس لدينا فرصة؟ ما الذي يجب علينا فعله لإنقاذك؟

بطريقة الاستجواب وتحقيق القضاة قالت لي:

سؤال صعب للغاية. أنا أناضل لمكافحة مرض مزمن لا يرحم. لا أعرف كيف يمكنني استعادة عافيتي أو عافيتك. دعني أقول الحقيقة أنا لا أثق بك. فأنت ليس لديك المثل العليا التي تربطك بالحياة. إن العيش بدون المثل العليا يُبعد الإنسان عن الإنسانية. أنت مستمر بنضال يائس بخضم قسوة رهيبة. ما تقوله مختلف عما تمارسه، مثل هذا الاستخفاف لا يناسبك. لقد فقدت القيم التي جعلتك على ما أنت عليه. لا تكن مستاء. لا تشعر بالإهانة. إذا تأملت قليلاً ستلاحظ هذه الحقيقة أفضل مني....

ردت عليها:

حسنا، ماذا سيحدث؟ إلى متى سنعيش هكذا، ونبتعد عن بعضنا البعض ونكون منفصلين كل يوم؟ في حين أن هذه اللامبالاة  تعالجك  إلى أبعد حد، إلا إنها تهدر الكثير من الطاقة. الوضع سيء إلى حد ما. إلى أي مدى سنرضخ تحت ضغط هذه الحقيقة. كما أنك أنت أيضًا لا تعين تمامًا أنه يجب أن يكون هناك مخرج من هذا. يقال أن لكل داء دواء. أم أننا الوحيدين الذين نفد منهم الدواء؟

فأخبرتني:

هنالك طريقة وكذلك دواء، لكن لا يوجد شيء يمكنني القيام به بعد الآن. أنت الذي يجب أن تجد الطريق والعلاج. ربما بعد ذلك....

أجبتها:

إذن ربما سيعود كل شيءٍ إلى وضعه السابق. وريثما تستعيدين عافيتك، كزهرةِ ربيع ستنتعشِ وتفخري بقيمك الخالدة مرةً أخرى. سنجد الحياة في قيمك المقدسة. سنمدح ونردد ترنيمات رب الكون. سنكتسب حيوية  حديثة   مستمدة من روحك المجيدة. سنكون سعداء بابتساماتكِ. بابتساماتكِ سنتوقف عن الاكتئاب وسنجمع القوة الروحية لأنفسنا. عندها لن تغضبِ منا. حينها لن تربكينا بأفكارك العويصة. إن الثقة والحب الذي نمتلكه تجاه بعضنا البعض سوف ينتعش ويزدهر ويكتسب معنى جديدا. سنكون أنفسنا. سنعمل على الحفاظ عليك ونسعى إليكِ أكثر لكي نفهمكِ. لأننا لا شيء بدونكِ.

قالت لي:

واحسرتاه، أتمنى لو أستطيع أن أثق بك. ليتلاشى الإرهاق من المرض. فلولاه لم أكن لأتفوه هذه الكلمات المريرة التي لم تخرج من قلبي. ليس لدي قوة. فقد كسر الهجر ظهري. هذا هو سبب عدم رضائك عن حالتي مما أوقعني بهذا الموقف الذي يجعلك مريضا. كل ذكرياتي مغمورة بالحزن. لقد كنت أخبرك عن نفسي لفترة طويلة ولكنك لم تنصت. أنت لم تفهمني كما لو أن كلماتي مختلفة عن كلماتك.  تركتني ضعيفةً ووحيدة. لقد نسيتَ متى فقدتني. لقد فنيتم أنفسكم أيضًا. كما تفنى حالتي الحالية والروحية

ثم فجأة، كانت ملفوفة بحالة عذاب مميتة في صمت مظلم وحزين. لكني حاولت أن ألمسها. لقد مررت يدي عليها؛ كانت هزيلة بسبب عدم الاهتمام وسوء التغذية، كانت مجرد جلد وعظام. انحنيتُ مرة أخرى على جسدها الوافر. حاولتُ أن أتفهم روحها التي كانت على وشك الرحيل إلى الأبد. كانت روحها قوية بما يكفي لإبقائها على قيد الحياة. كانت مفعمة بالحب والعطاء. شعرت بالحرج الشديد والخجل عندما تم التقاء عيني بعينها وانا ممعن النظر إلى تلك الروح الجميلة الزاخرة بالحياة. مفكراً بمواجهة واقعنا الملموس، شعرت وكأنني انهار على الأرض.

بينما أردت أن أسترد أنفاس روحها بالكامل وأمعن النظر إليها، استيقظت على صوت قصي سمعته من بعيد. كنتُ مكسورُ الخاطر وغاضب. استيقظت قبل أن نصنع السلام وقبل أن نتوصل إلى اتفاق. أغمضت عيني على أمل أن أراها مرة أخرى. لقد نسيت أن أسأل عن اسمها. صرخت، صرخت. توسلت. لا جدوى مهما فعلت. فالصديق المألوف وتلك الروح المبهجة القديمة، لم تسمعني

ثم سمعت همسًا في الريح يهمس:" كان اسمها طور عابدين".

ملفونو يوسف بِكتاش

الترجمة الى العربية : ود الرفاعي


 
Please Leave Your Thinking

Leave a Comment

You can also send us an email to karyohliso@gmail.com